تدهور العربية- هل نفقد لغتنا الأم؟
المؤلف: أوس الحربش09.17.2025

لكي لا يُصنَّف هذا المقال في خانة التشاؤم المفرط، أودُّ التأكيد بدايةً على أنني لا أرى أنَّ لغتنا العربية تواجه خطرًا داهمًا، بل هي في المراحل الأولية من الضعف التدريجي. تحتل اللغة العربية المرتبة الخامسة من حيث عدد المتحدثين بها على مستوى العالم، ولا تندرج ضمن قائمة اللغات التي يُتوقع لها الاندثار مع نهاية هذا القرن، وفقًا لتقارير اليونسكو. يعود الفضل في ذلك إلى كنز ثمين اسمه التراث العربي، الذي يحتضن بين دفتيه القرآن الكريم، وروائع الشعر العربي في بواكيره، بالإضافة إلى أمهات الكتب والعلوم التي أُنتجت بفضل حركة التدوين باللغة العربية التي أمر بها الخليفة عبد الملك بن مروان، جزاه الله خيرًا. أما الوهن الذي أصاب لغة الضاد، وهو صلب موضوعنا هنا، فهو من صنع الإنسان العربي المعاصر. يؤكد ديفيد كريستال في كتابه "موت اللغة" أن اللغة لا تفنى غالبًا بسبب موت الناطقين بها، بل نتيجة لاتخاذهم موقفًا سلبيًا تجاهها، وخضوعهم للغة حضارة أخرى سائدة في عصرهم. ويرى كريستال أن الحل الأمثل لتجنب هذا المصير، بعد جمع الإحصائيات وتحليل الأرقام، يتمحور حول بناء علاقة إيجابية بين الإنسان ولغته، قوامها الاعتزاز باللغة واستيعاب مكامن قوتها، أو ما يسميه كريستال "هيبة اللغة". تحقيق هذا الهدف يتطلب بالضرورة إدماج اللغة وتوظيفها بكثافة في المناهج التعليمية، والمعاملات الحكومية، وحتى في التكنولوجيا الرقمية، والألعاب الإلكترونية، ومجال الذكاء الاصطناعي، قدر المستطاع. والعلة في ذلك أن الاعتزاز باللغة واستشعار هيبتها لا يمكن غرسه قسرًا، بل يأتي بشكل طبيعي وتدريجي بعد التشبُّع باللغة والتقرُّب منها. بمعنى آخر، يمكن القول إن المرحلة الأولى من ضعف اللغة ثم موتها البطيء تتجلى في نظرة أبنائها إليها، واعتقادهم الخاطئ بأنها لغة مُقيِّدة وغير فعالة. وهذا التصور بدأ يتبلور لدى الطفل العربي، في اعتقادي، دون وجود محاولات جادة لتقويمه.
وهنا، لا بد من التوقف قليلًا لتفحُّص وضع أطفالنا في المملكة العربية السعودية، وفهم رؤيتهم تجاه لغتهم الأم. أرى أنَّ فهم هذا الموقف يكتنفه بعض التشويش، نظرًا لوجود عوامل متعددة ومتضاربة، منها الاختلاف بين التعليم الخاص والعام، وبين المواد العلمية والأدبية، وبين اللغة المكتوبة والمنطوقة، وبين المحتوى الورقي والرقمي، وحتى بين اللغة الدارجة والفصحى. هذه المسألة معقدة وتستدعي تشكيل لجان متخصصة لتقصي الحقائق وفهم أبعادها، والفهم هو الخطوة الأولى نحو العمل على إنعاش اللغة وإنقاذها من الموت البطيء. الدراسات والإحصائيات المتوفرة في هذا المجال قليلة، بالرغم من أهميتها البالغة، إلا أن استطلاعًا حديثًا أجرته جامعة الملك سعود على عينة من الأطفال في مدارس خاصة بالرياض، كشف عن أرقام مُقلقة للغاية. فقد أظهر الاستطلاع أن ربع الأطفال لا يتحدثون إلا باللغة الإنجليزية في جميع جوانب حياتهم، وربعًا آخر يفضلون اللغة الإنجليزية، وربعًا ثالثًا يستطيعون التبديل بين اللغتين، وربعًا أخيرًا يفضل أو لا يتحدث إلا باللغة العربية. وخلصت الدراسة إلى أننا نشهد بداية تحول في لغة أطفالنا.
إن إحياء اللغة بعد موتها مهمة شاقة، ولكن الحفاظ عليها حية ومتماسكة حتى تتغير موازين القوى بين الحضارات أمر ممكن ويسير. لا يذكر التاريخ أمثلة كثيرة على الحالة الأولى، باستثناء إحياء اللغة العبرية في القرنين الماضيين بعد اندثارها التام، وبعض لغات السكان الأصليين في أمريكا الجنوبية. أما تمكين اللغة الوطنية، فنراه حاضرًا بقوة في الصين وفرنسا ودول عديدة أخرى. حتى الدول الأقل نفوذًا أدركت خطورة المشكلة، فقامت الفلبين على سبيل المثال بإطلاق برنامج "اللغات الأم" في التعليم الابتدائي، بهدف تعزيز لغاتها القومية الأصلية. يرى بعض الباحثين أن اللغة العربية عظيمة وثريّة بحيث يصعب عليها الاندثار، ولكنها قد تتفكك وتتحول ببطء، مثل اللغة اللاتينية، إلى لغات مختلفة، وهذا الأمر لا يقل خطرًا عن الاندثار الكامل.
الموضوع جلل ويستلزم منا اتخاذ الإجراءات التالية:
إجراء دراسات استقصائية معمقة وجادة، وفهم المشكلة فهمًا دقيقًا مدعومًا بالأرقام والإحصائيات، ثم تكليف لجان متخصصة ومختصة بوضع الحلول المناسبة.
تنظيم حملات توعية مكثفة للأسر السعودية، للتأكيد على أهمية التحدث مع الأطفال باللغة العربية دون سواها.
إدماج اللغة العربية بقوة في المناهج الدراسية، والمعاملات الحكومية، والتكنولوجيا الرقمية.
إعادة النظر في معايير منح الامتيازات الوظيفية للمتحدثين باللغة الإنجليزية، وخاصةً أولئك الذين لا يتقنون اللغة العربية أو الذين لا تتطلب وظائفهم التحدث باللغة الإنجليزية.
تعزيز الدعم المقدم للمؤسسات المعنية بدعم اللغة العربية، مثل مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، والفعاليات ذات الصلة، مثل اليوم العالمي للغة العربية.
إذا لم يُدق ناقوس الخطر الآن، فقد نفاجأ بأن الوقت قد فات، وأن الفجوة قد اتسعت على الرتق. فلا وجود لهوية بدون لغة، ولا رفعة لأمة أو قيمة لفرد بدون هوية.
وهنا، لا بد من التوقف قليلًا لتفحُّص وضع أطفالنا في المملكة العربية السعودية، وفهم رؤيتهم تجاه لغتهم الأم. أرى أنَّ فهم هذا الموقف يكتنفه بعض التشويش، نظرًا لوجود عوامل متعددة ومتضاربة، منها الاختلاف بين التعليم الخاص والعام، وبين المواد العلمية والأدبية، وبين اللغة المكتوبة والمنطوقة، وبين المحتوى الورقي والرقمي، وحتى بين اللغة الدارجة والفصحى. هذه المسألة معقدة وتستدعي تشكيل لجان متخصصة لتقصي الحقائق وفهم أبعادها، والفهم هو الخطوة الأولى نحو العمل على إنعاش اللغة وإنقاذها من الموت البطيء. الدراسات والإحصائيات المتوفرة في هذا المجال قليلة، بالرغم من أهميتها البالغة، إلا أن استطلاعًا حديثًا أجرته جامعة الملك سعود على عينة من الأطفال في مدارس خاصة بالرياض، كشف عن أرقام مُقلقة للغاية. فقد أظهر الاستطلاع أن ربع الأطفال لا يتحدثون إلا باللغة الإنجليزية في جميع جوانب حياتهم، وربعًا آخر يفضلون اللغة الإنجليزية، وربعًا ثالثًا يستطيعون التبديل بين اللغتين، وربعًا أخيرًا يفضل أو لا يتحدث إلا باللغة العربية. وخلصت الدراسة إلى أننا نشهد بداية تحول في لغة أطفالنا.
إن إحياء اللغة بعد موتها مهمة شاقة، ولكن الحفاظ عليها حية ومتماسكة حتى تتغير موازين القوى بين الحضارات أمر ممكن ويسير. لا يذكر التاريخ أمثلة كثيرة على الحالة الأولى، باستثناء إحياء اللغة العبرية في القرنين الماضيين بعد اندثارها التام، وبعض لغات السكان الأصليين في أمريكا الجنوبية. أما تمكين اللغة الوطنية، فنراه حاضرًا بقوة في الصين وفرنسا ودول عديدة أخرى. حتى الدول الأقل نفوذًا أدركت خطورة المشكلة، فقامت الفلبين على سبيل المثال بإطلاق برنامج "اللغات الأم" في التعليم الابتدائي، بهدف تعزيز لغاتها القومية الأصلية. يرى بعض الباحثين أن اللغة العربية عظيمة وثريّة بحيث يصعب عليها الاندثار، ولكنها قد تتفكك وتتحول ببطء، مثل اللغة اللاتينية، إلى لغات مختلفة، وهذا الأمر لا يقل خطرًا عن الاندثار الكامل.
الموضوع جلل ويستلزم منا اتخاذ الإجراءات التالية:
إجراء دراسات استقصائية معمقة وجادة، وفهم المشكلة فهمًا دقيقًا مدعومًا بالأرقام والإحصائيات، ثم تكليف لجان متخصصة ومختصة بوضع الحلول المناسبة.
تنظيم حملات توعية مكثفة للأسر السعودية، للتأكيد على أهمية التحدث مع الأطفال باللغة العربية دون سواها.
إدماج اللغة العربية بقوة في المناهج الدراسية، والمعاملات الحكومية، والتكنولوجيا الرقمية.
إعادة النظر في معايير منح الامتيازات الوظيفية للمتحدثين باللغة الإنجليزية، وخاصةً أولئك الذين لا يتقنون اللغة العربية أو الذين لا تتطلب وظائفهم التحدث باللغة الإنجليزية.
تعزيز الدعم المقدم للمؤسسات المعنية بدعم اللغة العربية، مثل مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، والفعاليات ذات الصلة، مثل اليوم العالمي للغة العربية.
إذا لم يُدق ناقوس الخطر الآن، فقد نفاجأ بأن الوقت قد فات، وأن الفجوة قد اتسعت على الرتق. فلا وجود لهوية بدون لغة، ولا رفعة لأمة أو قيمة لفرد بدون هوية.